سورة القصص - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{قَالَ رَبّ} يا رب {إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى} بفعل صار قتلاً {فاغفر لِى} زلتي {فَغَفَرَ لَهُ} زلته {إِنَّهُ هُوَ الغفور} بإقالة الزلل {الرحيم} بإزالة الخجل {قَالَ رَبّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَىَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً} معيناً {لّلْمُجْرِمِينَ} للكافرين و{بما أنعمت} على قسم جوابه محذوف تقديره أقسم بإنعامك علي بالمغفرة لأتوبن فلن أكون ظهيراً للمجرمين، أو استعطاف كأنه قال: رب اعصمني بحق ما أنعمت علي من المغفرة فلن أكون إن عصمتني ظهيراً للمجرمين، وأراد بمظاهرة المجرمين صحبة فرعون وانتظامه في جملته وتكثيره سواده حيث كان يركب بركوبه كالولد مع الوالد.
{فَأَصْبَحَ فِى المدينة خَائِفاً} على نفسه من قتله القبطي أن يؤخذ به {يَتَرَقَّبُ} حال أي يتوقع المكروه وهو الاستقادة منه أو الأخبار أو ما يقال فيه، وقال ابن عطاء: خائفاً على نفسه يترقب نصرة ربه. وفيه دليل على أنه لا بأس بالخوف من دون الله بخلاف ما يقوله بعض الناس أنه لا يسوغ الخوف من دون الله {فَإِذَا الذى} {إذا} للمفاجأة وما بعدها مبتدأ {استنصره} أي موسى {بالأمس يَسْتَصْرِخُهُ} يستغيثه والمعنى أن الإسرائيلي الذي خلصه موسى استغاث به ثانياً من قبطي آخر {قَالَ لَهُ موسى} أي للإسرائيلي {إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُّبِينٌ} أي ضال عن الرشد ظاهر الغي فقد قاتلت بالأمس رجلاً فقتلته بسببك، والرشد في التدبير أن لا يفعل فعلاً يفضي إلى البلاء على نفسه وعلى من يريد نصرته.


{فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ} موسى {أَن يَبْطِشَ بالذى} بالقبطي الذي {هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا} لموسى والإسرائيلي لأنه ليس على دينهما، أو لأن القبط كانوا أعداء بني إسرائيل {قَالَ} الإسرائيلي لموسى عليه السلام وقد توهم أنه أراد أخذه لا أخد القبطي إذ قال له {إنك لغوي مبين} {ياموسى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً} يعني القبطي {بالأمس إِن تُرِيدُ} ما تريد {إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً} أي قتالاً بالغضب {فِى الأرض} أرض مصر {وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ المصلحين} في كظم الغيظ، وكان قتل القبطي بالأمس قد شاع ولكن خفي قاتله، فلما أفشى على موسى عليه السلام علم القبطي أن قاتله موسى فأخبر فرعون فهموا بقتله.
{وَجَاء رَجُلٌ مّنْ أَقْصَا المدينة} هو مؤمن آل فرعون وكان ابن عم فرعون {يسعى} صفة لرجل أو حال من رجل لأنه وصف بقوله {من أقصى المدينة} {قَالَ يَا موسى أَنِ الملأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} أي يأمر بعضهم بعضاً بقتلك أو يتشاورون بسببك، والائتمار: التشاور. يقال الرجلان يتآمران ويأتمران لأن كل واحد منهما يأمر صاحبه بشيء أو يشير عليه بأمر {فاخرج} من المدينة {إِنّى لَكَ مِنَ الناصحين} {لك} بيان وليس بصلة {الناصحين} لأن الصلة لا تتقدم على الموصول كأنه قال: إني من الناصحين، ثم أراد أن يبين فقال: لك كما يقال سقياً لك ومرحباً لك {فَخَرَجَ} موسى {مِنْهَا} من المدينة {خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} التعرض له في الطريق أو أن يلحقه من يقتله {قَالَ رَبّ نَجّنِى مِنَ القوم الظالمين} أي قوم فرعون.
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ} نحوها، والتوجه الإقبال على الشيء، ومدين قرية شعيب عليه السلام سميت بمدين بن إبراهيم ولم تكن في سلطان فرعون، وبينما وبين مصر مسيرة ثمانية أيام. قال ابن عباس رضي الله عنهما: خرج ولم يكن له علم بالطريق إلا حسن الظن بربه {قَالَ عسى رَبّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاء السبيل} أي وسطه ومعظم نهجه فجاءه ملك فانطلق به إلى مدين.


{وَلَمَّا وَرَدَ} وصل {مَاء مَدْيَنَ} ماءهم الذي يسقون منه وكان بئراً {وَجَدَ عَلَيْهِ} على جانب البئر {أُمَّةً} جماعة كثيرة {مِنَ الناس} من أناس مختلفين {يُسْقَوْنَ} مواشيهم {وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ} في مكان أسفل من مكانهم {امرأتين تَذُودَانِ} تطردان غنمهما عن الماء لأن على الماء من هو أقوى منهما فلا تتمكنان من السقي أو لئلا تختلط أغنامهما بأغنامهم، والذود الطرد والدفع {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا} ما شأنكما وحقيقته ما مخطوبكما أي ما مطلوبكما من الذياد فسمي المخطوب خطباً {قَالَتَا لاَ نَسْقِى} غنمنا {حتى يُصْدِرَ الرعاء} مواشيهم {يصدر} شامي ويزيد وأبو عمرو أي يرجع والرعاء جمع راعٍ كقائم وقيام {وَأَبُونَا شَيْخٌ} لا يمكنه سقي الأغنام {كَبِيرٌ} في حاله أو في السن لا يقدر على رعي الغنم، أبدتا إليه عذرهما في توليهما السقي بأنفسهما.
{فسقى لَهُمَا} فسقى غنمهما لأجلهما رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف. روي أنه نحى القوم عن رأس البئر وسألهم دلواً فأعطوه دلوهم وقالوا: استق بها وكانت لا ينزعها إلا أربعون فاستقى بها وصبها في الحوض ودعا بالبركة. وترك المفعول في {يسقون} و{تذودان} و{لا نسقي} و{فسقى} لأن الغرض هو الفعل لا المعفول، ألا ترى أنه إنما رحمهما لأنهما كانتا على الذياد وهم على السقي، ولم يرحمهما لأن مذودهما غنم ومسقيهم إبل مثلاً، وكذا في {لا نسقي} و{فسقى} فالمقصود هو السقي لا المسقى. ووجه مطابقة جوابها سؤاله أنه سألهما عن سبب الذود فقالتا: السبب في ذلك أنا امرأتان مستورتان ضعيفتان لا نقدر على مزاحمة الرجال ونستحي من الاختلاط بهم فلا بدلنا من تأخير السقي إلى أن يفرغوا. وإنما رضي شعيب عليه السلام لابنتيه بسقي الماشية لأن هذا الأمر في نفسه ليس بمحظور والدين لا يأباه، وأما المروءة فعادات الناس في ذلك متباينة وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم، ومذهب أهل البدو فيه غير مذهب أهل الحضر خصوصاً إذا كانت الحالة حالة ضرورة.
{ثُمَّ تولى إِلَى الظل} أي ظل سمرة، وفيه دليل جواز الاستراحة في الدنيا بخلاف ما يقوله بعض المتقشفة ولما طال البلاء عليه أنس بالشكوى إذ لا نقص في الشكوى إلى المولى {فَقَالَ رَبّ إِنّى لِمَا} لأي شيء {أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ} قليل أو كثير غثٍ أو سمين {فَقِيرٌ} محتاج، وعدي {فقير} باللام لأنه ضمن معنى سائل وطالب. قيل: كان لم يذق طعاماً سبعة أيام وقد لصق بظهره بطنه. ويحتمل أن يريد أني فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إلي من خير الدارين وهو النجاة من الظالمين لأنه كان عند فرعون في ملك وثروة، قال ذلك رضاً بالبدل السني وفرحاً به وشكراً له. وقال ابن عطاء: نظر من العبودية إلى الربوبية وتكلم بلسان الافتقار لما ورد على سره من الأنوار.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8